قصة الفلاح الذي حول أرضًا قاحلة إلى جنة بفضل صبره ودعاء زوجته الصالحة

في حياة كل منا قصص ملهمة تحمل دروسًا عن الصبر والإيمان والتوكل على الله، وقصة الفلاح الذي اشترى أرضًا قاحلة ولم يستسلم لسخرية الجميع، تعد من أجمل هذه القصص التي تُعلمنا أن العزيمة والدعاء الصادق قادران على تحويل المستحيل إلى واقع.

هذا الفلاح البسيط، برغم كل التحديات والصعوبات، وبفضل صبره وجهد زوجته الصالحة التي لم تتوقف عن الدعاء، استطاع أن يجعل من أرضٍ قاحلة لا تنبت شيئًا، جنة خضراء يانعة، تنبض بالحياة والخير.

تُبرز هذه القصة الرائعة أهمية العمل الجاد، والدعاء من القلب، والثقة بأن الله هو المجيب، وتُذكّرنا بأن البركة تأتي من الإيمان والصبر، وأن الفرج قد يأتي من حيث لا نحتسب.

إذا كنت تبحث عن قصة ملهمة في الزراعة في الأرض القاحلة، وكيف يمكن لـ الدعاء والإصرار أن يغيرا مجرى الحياة، فتابع معنا تفاصيل هذه القصة المؤثرة التي ستملأ قلبك بالأمل والإيمان.

قصة الفلاح الذي اشترى أرضاً قاحلة وسخر منه الجميع وكيف أصبحت جنة بسبب دعاء زوجته الصالح

الفصل الاول:رضوان و أمينة 

يحكى في قرية صغيرة وادعة أن فلاحا بسيطا اسمه رضوان كان يعيش مع زوجته الصالحة أمينة. كان رضوان رجلا قليل الكلام كثير العمل، يرى في أرضه سر وجوده، ويؤمن أن كل حبة عرق تسقط على التراب صلاة يرفعها إلى السماء.

وكانت زوجته أمينة، واسمها يطابق صفتها، امرأة مؤمنة، كان وجهها يفيض نورا، وقلبها ينبض بالرضا واليقين، وسلاحها في مواجهة مصاعب الدنيا دعاء صادق ترفعه في جوف الليل.

كانا يعيشان في بقعة أرض صغيرة ورثها رضوان عن أبيه، يزرعانها سويا، وكانت تكفيهما بالكاد.

لكن في سنة من السنين، مرضت أم رضوان العجوز مرضا شديدا، واحتاج علاجها إلى مال كثير. لم يتردد رضوان لحظة، فباع أرضه الصغيرة، أرض آبائه وأجداده، وأنفق كل المال على علاج أمه حتى شفاه الله.

فرح بشفاء أمه، لكن قلبه اعتصره الألم لفراق أرضه، فلم يبق معه من ثمنها إلا القليل من المال الذي لا يكفي لشراء أرض صالحة.

كان الحل الوحيد أمامه هو شراء قطعة أرض من أملاك القرية العامة، قطعة لم يجرؤ فلاح على الاقتراب منها منذ أجيال. كانت تقع في الطرف الشمالي من القرية وتعرف بين الجميع باسم أرض الهلاك. كانت أرضا قاحلة صخرية يكسوها الملح، لا تنبت فيها إلا أشواك العقرب.

قال له كبار السن في القرية: إنها أرض مسكونة بالجن، ملعونة منذ الأزل.

عندما أعلن رضوان أنه سيشتري أرض الهلاك بما تبقى معه من قليل المال، ضحك أهل القرية وسخروا منه.

جاءه جابر، أغنى فلاح في القرية وأكثرهم غرورا، وقال له ساخرا: هل فقدت عقلك يا رضوان؟ تبيع أرضا كقطعة من الجنة لتشتري قطعة من الجحيم! والله إنك لاحمق!

وردد الآخرون وراءه: رضوان المجنون! لقد باع الذهب واشترى التراب!

لم يعلق رضوان على سخريتهم، بل مضى في طريقه بعزيمة صامتة واشترى الأرض.

عاد في المساء إلى زوجته أمينة، التي كانت تنتظره بقلب واجف. قال لها: لقد اشتريت لنا أرضا جديدة يا أمينة!

قالت بلهفة: بارك الله لنا فيها، أين هي؟

قال وهو حزين: إنها أرض الهلاك.

ساد صمت ثقيل، نظرت أمينة إلى وجه زوجها المتعب، ورأت في عينيه حزنا عميقا وتحديا كبيرا. لم تلُمه ولم تعاتبه، بل اقتربت منه وقالت: لا توجد أرض ملعونة خلقها الله، أنت عليك بالسعي والعمل يا زوجي، وأنا عليّ بالدعاء والمناجاة، والرزق على الله وحده. معا سنحول هذا التراب إلى ذهب بإذن الله.

نزلت كلماتها على قلب رضوان كالبَلسم الشافي.

الفصل الثاني: بداية الكفاح

في فجر اليوم التالي، حمل رضوان فاسه وخرج إلى أرضه الجديدة.

كان المشهد محبطا، صخور كبيرة وتربة صلبة متشققة، وطبقة من الملح الأبيض تلمع تحت أشعة الشمس.

ومع كل هذا، لم ييأس رضوان، بل بدأ في العمل. كان يقتلع الأشواك بيديه العاريتين حتى دمت أصابعه، ويجمعها في كومة كبيرة على طرف الحقل، ثم بدأ يضرب بفاسه في التربة المتحجرة، وكان الفاس يرتد أحيانا كأنه يضرب في الحديد.

كان يعمل من شروق الشمس إلى غروبها، لا يتوقف إلا ليشرب قليلا من الماء ويصلي.

وكان جابر وأهل القرية يمرون به كل يوم، ينظرون إليه ويهزون رؤوسهم ضاحكين.

قال جابر بصوت عال ليسمعهم: انظروا إلى المجنون! يحاول أن يحرث الملح، ربما سينبت له ذهب!

كان رضوان يسمع سخريتهم فينفطر قلبه، لكنه كان يتذكر كلمات زوجته فيعود إليه العزم.

أما أمينة فكان لها جهادها الخاص؛ فما إن يخرج زوجها إلى الحقل، حتى تفرش سجادتها وترفع يديها إلى السماء.

لم تكن صلاتها مجرد كلمات، بل كانت مناجاة تخرج من أعماق قلبها، تبكي وتدعو:

يا رب، يا من تخرج الحي من الميت والميت من الحي، يا من تقول للشيء كن فيكون، أنت ترى تعب زوجي وعرقه الذي يسقي هذه الأرض القاحلة، اللهم أنبت له من هذه الأرض زرعا واجعل صبرنا فرجا!

الفصل الثالث: النبع العجيب

مر شهر كامل على هذه الحال؛ تعب جسد رضوان وكلت يداه، ولكن الأرض بقيت صلبة قاحلة، لا حياة فيها.

في إحدى الليالي، عاد رضوان إلى بيته منهك القوى، وقد بلغ اليأس منه مبلغه. ألقى بنفسه على الحصيرة وقال: لقد هزمنا، يا أمينة! هذه الأرض لا تستجيب!

نظرت إليه أمينة بعينين تلمعان بالدموع والإيمان، وقالت: لم يُهزم من كان الله في صفه. أنت سقيت الأرض بعرقك طول هذا الشهر، وأنا سأسقيها ليلة بدموعي ودعائي. لا تيأس يا رضوان!

فما بعد أشدّ ساعات الليل سوادا إلا بزَوغ الفجر.

تلك الليلة، لم تنم أمينة، بل قضتها كلها في الصلاة والدعاء، ودموعها تسيل على سجادتها كأنها نهر صغير من الرجاء.

في ساعة الفجر، شعرت براحة غريبة تسري في جسدها، وغلبها النعاس للحظات قليلة، فرأت في منامها رؤيا عجيبة:

رأت شخصا ينظر إليها ويقول: قولي لزوجك أن يضرب بفاسه عند الصخرة الكبيرة التي تشبه الجمل في منتصف أرضه، فإن تحتها مفتاح الفرج.

الفصل الرابع: جاء الفرج

استيقظت أمينة وقلبها يخفق بقوة، فأيقظت زوجها وروت له ما رأت.

حمل رضوان فاسه على كتفه، وذهب إلى أرضه وأمامه الصخرة الكبيرة التي تشبه الجمل.

وقف أمامها وقال في نفسه: هذه محاولتي الأخيرة.

رفع الفاس بكل ما تبقى فيه من قوة وهوى به على قاعدة الصخرة.

وفي اللحظة التي ضرب فيها، شقت الصخرة من وسطها، وخرج من الشق صوت هدير عميق كأنه آتٍ من جوف الأرض.

ثم، تفجر من قلب الصخرة نبع ماء صافٍ وعذب، لم يره أهل القرية مثله في حياتهم.

كان الماء فضيا يلمع تحت أشعة الشمس كسباكة من الفضة الذائبة. تدفق الماء غزارة، ويسقي الأرض بحنان، وكل ما مر عليه تحولت الأرض إلى براعم خضر صغيرة.

ركض رضوان إلى القرية ويصرخ: الماء! لقد تفجر الماء في أرضي!

خرج أهل القرية مسرعين، وتقدمهم جابر، وظنوا أن رضوان قد أصيب بالجنون.

لكنهم توقفوا مشمئتين في أرض الهلاك، ورأوا بأعينهم النبع الفضي، والأرض القاحلة تصبح حديقة خضراء يانعة.

سجد رضوان على الأرض شكرا لله، وشرب من الماء المبارك، فشعر بالقوة تسري في جسده وتزيل كل تعبه.

جاءته زوجته أمينة وهي تبكي من الفرح، وعانقته، وهما ينظران إلى المعجزة التي صنعها الصبر والدعاء.

أما جابر فوقف مبهوتا، ونار الحسد تشتعل في قلبه، وتساءل: كيف لفلاح مجنون أن يحصل على كل هذا الخير؟ كيف لأرض ملعونة أن تُخرج ماءً كذلك؟

الفصل الخامس: درس جابر

في اليوم التالي، جمع جابر رجال القرية وقال: رضوان قد استولى على نبع مبارك، هو من حقنا جميعا، ويجب أن نأخذ منه الماء لِنروي حقولنا!

ذهبوا إلى رضوان وطلبوا منه أن يمدهم بالماء.

لم يتردد رضوان، وقال: هذا رزق من الله، وهو للجميع، خذوا ما شئتم.

مدّ الفلاحون القنوات، وبدأ الماء الفضي يجري في حقولهم، لكن الغريب أنه بعد ما يترك حدود أرض رضوان، يفقد بريقه ويصبح ماء عاديا، ولا يؤتي بالمعجزة نفسها.

أما أرض رضوان فكانت تزداد خصوبة واخضرارا يوما بعد يوم، وأصبحت جنة صغيرة يانعة، تحمل سنابل قمح ذهبية وأشجار فاكهة مزهرة.

الفصل السادس: عقوبة الجشع

في ليلة مظلمة، تسلل جابر وعماله إلى أرض رضوان وحفروا في أخصب بقعة، ثم سرقوا ترابها الغني.

نثروا التراب فوق زرعهم، وحلموا بالصباح الذي سيستيقظون فيه على محصول هائل.

في الصباح، استيقظ رضوان ورأى الحفرة في أرضه، وحزن حزنا شديدا، لا على التراب، بل على قلوب أهل القرية التي أعماها الحسد.

قال: حسبي الله ونعم الوكيل، اللهم اهدِ من ضل، واشفِ كل قلب مريض.

وأمسك فاسه وبدأ يردم الحفرة.

الفصل السابع: الدرس الأخير

أما جابر، فعندما ذهب ليرى نتيجة سرقته، وجد كل الزرع يبس والتراب حريقا، فأدرك حجم خطئه.

وأقام رضوان جالسا على حقوله، وسكب ماء ينبعه على قطعة صغيرة من الأرض المحترقة ليظهر لجابر أن البركة في القلوب، لا في التراب.

بكى جابر ندما، وطلب من رضوان أن يسامحه، ومنذ ذلك اليوم صار رجلا آخر، يعمل بجد ويتعلم من رضوان معنى الصبر والإيمان.

ورضوان وأمينة بارك الله لهما في أرضهما، ورزقهما من حيث لا يحتسبون، وعاشا في سعادة، وأصبحت قصتهما تُروى للأجيال ليتعلموا أن السعي باليد والدعاء بالقلب هو مفتاح كل جنة على الأرض.

قال الله تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. 

العبرة : من يثق بالله ويصبر على الشدائد، يفتح الله له أبواب الفرج والرزق من حيث لا يتوقع.

اذا أردت مشاهدة القصة كاملة زر قناتنا حكايات عدنان 

تعليقات